مؤلفاته / ثقافة

رسالة حيدر علييف الرئيس الآذربيجاني الى السيد فيديركو مايور المدير العام لليونسكو - مدينة باكو ٣ سبتمبر عام ١٩٩٧


السيد المحترم فيدركو مايور، تعرفت عن كثب على مشروع البيان الذي ينص على حق الانسان في السلام الذي يؤكد مرة أخرى ضرورة السلام لتحقيق كل ما له وما عليه للانسان والتنمية والديمقراطية وأريد تقاسم ملاحظاتي بهذا الصدد.

ان القرن العشرين المنتهي صفحة متناقضة جدا في تأريخ البشرية. من ناحية، مكن تطور العلم والتكنولوجيا من تحسين مستوى حياة الناس، ومن ناحية أخرى، استهدفت تلك الإنجازات الناس أنفسهم. ان اختراع الأسلحة القادرة على ابادة الناس الجماعية هدد كل البشرية بالخطر الكبير. رغم اعتراف المجتمع البشري بحقوق الانسان كقيم بشرية عامة تتعرض لانتهاكات في كثير من الأماكن وليس هذا مرتبطا فقط بالانظمة الشمولية الموجودة في الدول المتفرقة. ان العامل الرئيسي الذي يخل بحقوق الانسان بشكل جماعي هو الحرب. تتعرض حقوق الناس-حقوق العيش لانتهاكات نتيجة الحرب، يتم تدمير اماكنهم السكنية وثرواتهم الثقافية وتقطع صلات بين اعضاء الاسرة ويتم تشريد الناس ويواجهون المآسي الكبيرة. لا يوجد اي سبب يبرر كل هذا ولا يمكن وجوده.

من المعلوم حسنا أن الرعاية الكاملة لحقوق الانسان بدون احلال السلام مستحيل. أما السلام فليس بمجرد عدم وجود الحرب. السلام ظروف يعيش فيها الناس بعيدا عن العنف والخوف. نعتقد ان مشروع البيان يعكس بشكل صحيح جانبين للسلام- وهما دولي وداخلي.

ان السلام في الوجهة الدولية يعني عدم وجود حروب بين الدول من جهة، ووجود العلاقات المعتمدة على مبادئ الاحترام والثقة المتبادلة بين الشعوب. اما الجانب الداخلي فإن مفهوم السلام يعني "السلام المدني"، وهذا يحتوى العلاقات بين المواطنين انفسهم وبين السلطة والمواطنين. لذا فان حقوق السلام لكل إنسان تعني حقوق العيش الآمن ومن جهة الاشتراك النشط في إدارة الدولة والحصول على معلومات مفصلة وموضوعية عن السياسة الخارجية والداخلية للدولة. ان انتهاج السياسة المعادية لمصالح شعبه أو توجيه هذه المصالح ضد الشعوب الأخرى امر غير مسلم به.

هذا ونثق بان الدولة الديمقراطية التي تضمن حقوق الانسان لن تقدم على الحرب. وأريد الإشارة هنا خاصة الى ان ٢٠% من أراضينا احتلت نتيجة العدوان العسكري لارمينيا على آذربيجان منذ عام ١٩٨٨ وشُرِّد اكثر من مليون مواطنينا من ديارهم، قتل عشرات آلاف من الناس، دمرت ثرواتنا الثقافية. لكن رغم كل هذا، انتهجت الجمهورية الآذربيجانية سياسة محبة للسلام وتوصلت الى وقف اطلاق النار منذ شهر مايو عام ١٩٩٤، والاستقرار السياسي والتضامن بين المواطنين وتعتزم حل النزاع بالطريق السلمي فقط. اعتقد ان كل هذا دليل ساطع على احترام آذربيجان لحقوق الإنسان. ونعتبر السلام أسمى هدف في حياة الانسان، ومن هذه الوجهة نؤيد تحديده ليس فقط كحقوق الانسان، فحسب بل انه مهمة لكل شخص.

يجب على كل إنسان ان يدرك مسئوليته عن الحفاظ على السلام. اذا يقبل شخص امكانية حدوث الحرب، فيروج اندلاعها. من طرف آخر، قد يكون من السذاجة اعتبار إحلال السلام عفويا، كل شيء متعلق بالناس أنفسهم. بالتاكيد، يمكن القول بان العالم لم يشهد سلاما شاملا حتى الآن. لكن بقولنا هذا لا نريد إثبات عدم امكانية التوصل الى مثل هذا السلام. اذا لا تناسب الفكرة الواقعية فلا يعني هذا انها خاطئة. لذلك يجب على كل الناس والدول والمنظمات ان يسعوا الى احلال السلام والحفاظ عليه.

ان السلام مسألة العلم والتعليم والثقافة قبل كل شيء، ذلك الى جانب صلته الوثيقة مع سياسة الدولة. من المعلوم جيدا ان ظروف عدم التسامح بين الناس والشعوب هو من الاسباب الرئيسية للحرب. وقد يدفع عدم التسامح الانسان الى العنف. لذا فان الهدف الرئيسي هو انتشار أفكار السلام والعدالة والحرية والاحترام المتبادل والانسانية والمساواة بين الناس وحظر دعاية الحرب، الحركات الهادفة الى العداء الديني والقومي والعرفي وغيرها.

ويشير البند الاخير للمشروع الى انه يجب على كل الدول ان تتخذ كافة التدابير من جملتها الدستورية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها لتوفير حق الانسان في السلام.

لا يرتابني الشك في انكم على علم باحتواء دستور الجمهورية الاذربيجانية المتبنى بالاستفتاء الشعبي العام عام ١٩٩٥ والوثائق التشريعية الاخرى عددا غير قليل من البنود ذات الصلة.

هذا ويعلن في مقدمة الدستور ان الشعب الأذربيجاني يريد التعايش في جو من الصداقة والسلام والأمان مع كل شعوب العالم مخلصا للقيم البشرية العامة والتعاون المتبادل بهذا الغرض. وترفض الجمهورية الأذربيجانية اللجوء الى حرب كوسيلة للاعتداء على استقلال الدول الاخرى وكحل للنزاعات الدولية، وهذا وجد تثبيته في الدستور. وفقا للدستور، الهدف السامي للدولة الاذربيجانية هو توفير حقوق وحريات الانسان. ان الدولة الاذربيجانية تسعى الى تحسين رفاهية الشعب الاذربيجاني وكل مواطن وضمانه الاجتماعي والمستوى المعيشي المستحق، تحظر نشر ودعاية أديان تسيء لكرامة الإنسان او تناوئ مبادئ المواطنة، كذلك تدافع عن الناس من كل حالات التمييز. نظرا لدور الثقافة الذي لا يضحض في الحفاظ على السلام يجب الاشارة الى ان الدستور يوفر لكل شخص حق الاستفادة الحرة من الثروات الثقافية وكذلك الحفاظ على الهوية القومية والاستفادة من اللغة الأم، يحظر الدعاية والتشويق المثير العداء العرقي والقومي والديني والاجتماعي. وجد هذا الحظر عكسه في التشريع الجنائي للجمهورية الأذربيجانية ايضا.

ونثق بان كل الناس لهم جذورا تاريخية مشتركة رغم اختلافهم ويريدون التوصل الى نفس الاهداف في الحياة. نومن بان مستقبل البشرية سلام بالرغم من ان ماضيها وحاضرها شهد حروبا غاشمة.

اريد ان اعلن مخلصا لهذه الثقة ومتمنيا السلام لجميع الناس اننا نعتبر اقتراح اليونيسكو لتبني بيان حقوق الناس للسلام أمرا يستحق للتقدير وندعم مشروع البيان.

واريد ان أؤكدكم على ان الجمهورية الأذربيجانية كدولة للقانون وديموقراطية وعلمانية ستستمر في توجيه سياستها الى إحلال السلام وستكون ملتزمة بهذه السياسة.

بفائق الاحترام

حيدر علييف

رئيس الجمهورية الأذربيجانية

صحيفة "اذربيجان"، ٤ سبتمبر عام ١٩٩٧