مؤلفاته / ثقافة

خطاب حيدر علييف الرئيس الاذربيجاني في الأمسية المكرسة لذكرى رشيد بهبودوف الفنان والموسيقار العبقري - ١٣ اكتوبر عام ٢٠٠١


الأصدقاء الأعزاء!

السيدات والسادة الكرام!

الضيوف الكرام!

ان الاحتفال الحار والمهيب بذكرى رشيد بهبودوف الفنان الموسيقار العبقري، الابن العظيم لشعبنا في إطار الاحتفاليات المقامة بمناسبة الذكرى العاشرة لآذربيجان المستقلة يظهر مدى غناء التقاليد الثقافية للشعب الاذربيجاني ومساهمة شخصيات عظيمة في مخزن الثقافة العالمية.

رشيد بهبودوف إنسان وشخصية نادر. استاذ الفنون الجميلة لا مثيل له في تاريخ الثقافة الآذربيجانية. وضع باحثونا كتبا حتى الآن عن إبداع رشيد بهبودوف والتراث الذي خلفه وسيواصلون هذا العمل. اعتقد ان خدماته العظيمة في تطوير الثقافة الآذربيجانية في القرن العشرين سيتعمقون في إدراكها على مر الزمن. لكن الأمسية المكرسة لذكراه اليوم تقدير آخر يقدمه لإبداع رشيد بهبودوف الشعب الآذربيجاني، آذربيجان المستقلة والحرة.

كان رشيد بهبودوف موسيقارا عظيما ومغنيا جميلا بصوته غير المتكرر ومنظره الظاهري وقريحته الفنية. لقدوم رشيد بهبودوف الى الثقافة الاذربيجانية عدة مراحل. رفع كل منهم ثقافة وموسيقى لشعبنا، وفنه الغنائي وفنونه الجميلة واعطى لها صيغا جديدة. استمعت لاول مرة الى رشيد بهبودوف في دار الضباط بباكو في الفترة الشاقة للحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٤. بعد هذا اصبحت ولوعا بفن وصوت رشيد بهبودوف واعجبتني دائما أغانيه وأدواره الجميلة وصوته الجميل خلال سنوات مضت.

حظي رشيد بهبودوف بالاحترام الكبير والشهرة بعد وصوله الى خشبة المسرح الآذربيجانية لاول مرة. بالطبع، كان كل هذا مرتبطا بقريحته. يسمونه عند الشعب موهبة الله. لأن جمع مثل هذا القدر من السمات المميزة الجميلة في شخص حدث ندر للغاية. بهذا السبب دخل رشيد بهبودوف الى تاريخ شعبنا أبديا كأكبر روائع الثقافة الاذربيجانية. كان رشيد بهبودوف مؤسس اغانى بوب (استرادا) لاول مرة مع توفيق قولييف الراحل في آذربيجان. كما تعلمون ان موسيقى الاسترادا كانت جذابة منذ الأربعينيات. لكن هذا كان يحمل طابعا لافتا عاما كثيراما. لكن رشيد بهبودوف كان يعزف عزفا جميلا جدا اغاني الاسترادا العصرية بمهارته المنفردة وكذلك كان يعزف الاغاني الجميلة من الفولكلور الموسيقي الاذربيجاني والموسيقى الشعبية الآذربيجانية في شكل عصري ويرفعها الى مستوى الاسترادا العصري. يمكنني القول مرة أخرى ان رشيد بهبودوف استطاع ان ينشئ مزيجا من الاغاني الشعبية الاذربيجانية والفولكلور الموسيقية واغاني الاسترادا الحديثة.

اظن ان هذا يحتل مكانا خاصا في تاريخنا الموسيقي وتأريخ فنوننا الجميلة. تذكروا، كان يعازف اغانينا الشعبية الى درجة كانت تعجب الإنسان ويتساءل المرء عما اذا كان هذا اغنية شعبية او أغنية استرادا عصرية. لم يبتعد عن جذوره القومية. كانت تحمل كل الأغاني التي كان يعزفها في تلك الفترة طابعا وطنيا. كان يعزف الكلمات النابعة من الفولكلور الشعبي الاذربيجاني ولغة الشعب عزفا جميلا وبمهارة كبيرة كانت تسر المرء مرتين، ٣ مرات.

عزفت اليوم هنا على خشبة المسرح هذه بناتنا الجميلات أغنية "لَبُولَبْ" عزفا جميلا التي كان يعزفها رشيد بهبودوف. لكن عزف رشيد بهبودوف كان مختلفا. الى ما القيت النظرة؟ الى أسلوب رشيد بهبودوف. مثلا، في أغنية من أغانيه كلمات: "آ رحمين كلسين، نه نه" (أرحمي يا جدتي). تتلفظ في الآذربيجانية الفصحى "رحمين كلسين". لكن الشعب منذ القدم يقول "إرحمين" بدلا من "رحمين". اي، عندما كان يعزفها في اسلوب حديث ما كان يفقد خصائصها المتعلقة بالشعب، ولحظاتها الممتعة. عندما كان يعزف الأغنية لا تستطيع الفرق اهي أغنية شعبية قديمة او اغنية معاصرة. لذلك، أعتقد ان إبداع رشيد بهبودوف في هذا المجال يحتل مكانا خاصا في تأريخ الموسيقى الاذربيجانية.

كان رشيد بهبودوف كمغن وموسيقار إنسانا كاملا. كان يكمل إبداعه سنة بعد سنة ويثريه. أفكر عندما أذكر تلك الفترات باعتبارى ولوعا لموسيقيه على مدى سنوات في ان فن رشيد بهبودوف كان يتطور كل مرحلة تطورا. ان الدور الأصغر الذي قام به رشيد بهبودوف في فيلم أوبريت "مشتري الاقمشة" للعبقري عزير حاجباكوف يشغل مكانا بارزا في حياة رشيد بهبودوف ونشاطه الابداعي. من المعلوم ان عزير حجباكوف كتب مؤلف "ارشين مال آلان" (مشتري الأقمشة) في اوائل القرن العشرين. يسعني القول انه يعيش منذ قرن، وسيعيش في القرون القادمة أيضا. لانه لا يفقد اهميته أبدا بكونه ذا معنى كبير وموسيقى جميل. ولا يسئم الانسان المحب للموسيقى والفنون ابدا ولو شاهده مرارا. بالعكس، يسر الانسان، ويلهمه كل مرة.

ان اوبريت "مشتري الأقمشة" كان دائما على خشبة المسرح الاذربيجاني منذ كتبه عزير حاجبكوف. اعلم من التاريخ انه كان يعرض بنجاح ليس فقط في آذربيجان، فحسب بل في عدد من بلدان آسيا الوسطى والبلدان الأخرى القريبة منا لغة في العشرينيات والثلاثينيات للقرن الماضي.

لكن إنتاج فيلم "مشترى الاقمشة" من قبل الملحن العبقري عزير حاجبكوف والمغني العبقري رشيد بهبودوف والمخرج الآذربيجاني العظيم في تلك الفترة الصعبة - عام ١٩٤٤ في حين كانت الحرب مستمرة، وبالطبع وضعه في تقديم جديد، ليس فقط نقله من خشبة المسرح الى الشاشة كان حدثا كبيرا. لا اعد الصواب اذا قلت ان هذا الفيلم ظهر الى عالم النور عام ١٩٤٥. وفتح لمدة قصيرة ليست فقط آذربيجان فحسب بل، كل المدن للاتحاد السوفييتي السابق، مناطقه وجمهورياته.

من خصائص رشيد بهبودوف كموسيقار هو قابليته لتلفظ كلمات الأغنية بشكل جميل، الى جانب صوته الجميل. أحيانا يعزفون الاغنية ولا تفهم كلماتها. لكن رشيد بهبودوف، عامة، كان يلفظ الكلمات بشكل جلي وواضح وصحيح عندما عزف الاغنية الى درجة كانت ترفع فنه كثيرا.

لكن الى جانب هذا، كانت له خاصية أخرى أيضا، انه كان يلم باللغة الاذربيجانية وكذلك الروسية أيضا، عامة ان قابليته لعزف الأغاني في لغات الشعوب الأخرى لم تتيسر لأي فنان في العالم. ظهر فيلم "مشتري الاقمشة" في آذربيجان كحدث تأريخي. لكن ان لم يتجاوز هذا الفيلم حدود آذربيجان ما كان في وسعنا الحديث عنه الان بهذه الدرجة. لكن ترجموه الى الروسية. والأهم هو ان رشيد عزفه بنفسه بالروسية أيضا، كان هذا صوته وأغانيه فهكذا تجول كل مكان بالروسية التي كانت تعرفها كل الشعوب في الاتحاد السوفييتي السابق.

أذكر جيدا. كنت أدرس في ليننجراد في هذه السنوات. كان يعرض هنا فيلم "آرشين مال آلان" بنجاح كبير كان يحث الناس على مشاهدته مرارا. لكن الأمر ليس هذا. ان الأغاني التي عزفها رشيد بهبودوف في ذلك الفيلم بقيت في ذاكرة الناس كموسيقى جميلة وكانوا يعزفونها في الاماكن الكثيرة. حتى في الاسر والأفراح وعند اللقاء كنت ترى، مثلا، روسيا يعزف أغنية رشيد بهبودوف بمحبة، مودة كبيرة. أصبح هذا مؤلفا عرّف الثقافة والموسيقى والاغاني الاذربيجانية لأول مرة في العالم. اي، انتقل مرحلة عزفه الى إخراجه السينمائي. كان شعبنا والشعوب القريبة منا يعرفه جيدا. لكنه تجول عبر كل العالم بعد إخراجه السينمائي وترجمته الى الروسية وعزفها من قبل رشيد بنفسه بالروسية بشكل جميل. يمكن القول ان حدثا ثانيا من هذا القبيل لم يحدث بعد. ينشر الموسيقى والثقافة والفنون الجميلة الآذربيجانية الى العالم، اي يبلغها للجماهير. كما تعلمون ان الثقافة، لاسيما الثقافة الغنائية، الأغاني مجال يطلع الشعوب على بعضها البعض بشكل اجمل وأوضح. ولا شك في ان اختراع عالم وحدثا ما يدخل التاريخ العالمي. لكن جميعها يبقى، أغلبيتها في إطار الشعوب أو الأمم، البلدان المعينة.

مثلا، يعرف الكثير اينشتاين احد العلماء الشهيرين في العالم، لكن البعض الآخر لا يعرفه. اذا سألت الحضور من يعرفه جيدا تجد قليلا ممن يعرفونه.

لكن الثقافة، اي الثقافة الموسيقية، الأغاني ليست خاصة بنا فقط فحسب، بل لكل الشعوب أيضا.

اذكر مرة أخرى. في الخمسينيات جاء الى الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك آذربيجان لاول مرة فيلم "الصعلوك" وراج كابور. ما كنا نعلم حتى هذا الحين عن الاغاني والموسيقى الهندية والفلم الهندي. لكن بدأوا يعرفون الهند اكثر مما كان في السنوات السابقة عن طريق فلم "الصعلوك" والممثل، الفنان الشهير راج كابور. يمكن ايراد مثل هذه الامثلة. لكن هذه قليلة في الموسيقى العالمية. لكن رشيد بهبودوف لم يعرّف الثقافة الآذربيجانية والشعب الاذربيجاني بفيلم "مشتري الاقمشة" فحسب. سافر رشيد الى كثير من بلدان العالم وأقام حفلات موسيقية في قاعات كبيرة. بعث الموسيقى والأغاني الآذربيجانية الى قلوب الناس لتلك البلدان بأسلوبه الجميل وتأديته الجميلة.

يسعني القول ان رشيد بهبودوف أول موسيقار ومغن آذربيجاني تجول عبر العالم. لم يأت شخص آخر بعده. اتذكر حدثا آخر. ذات مرة زرنا مع اصدقائنا بيت رشيد بهبودوف. كنا نتحدث ونشرب الشاي. كان قد عاد من زيارته لتركيا. ما كان حينذاك تلفاز. لا يستطيع الراديو بث الموسيقى بشكل واسع. كان رشيد بهبودوف أول شخص آذربيجاني ومغن آذربيجاني زار تركيا في العهد السوفييتي من بين رجالات الثقافة.

زار نيازي كثيرا للبلدان الأجنبية، أخرج بعض الاوبرات ومؤلفات الباليه. لكن رشيد بهبودوف أدى الأغاني الاذربيجانية امام الجمهور في القاعات الكبيرة. كما تعلمون ان الاغاني الآذربيجانية تعجب الشعب التركي الشقيق، ويثير اهتماما لديه، كما يحب الناس الاغاني التركية في آذربيجان. كما أذكر ان رشيد بهبودوف شغل آلة التسجيل وصوت الاغنية التي عزفها هنا. كان احد خاصيته تكريس اغنية لمكان زاره. لا اذكر اسم الأغنية، لكن بعد نهاية كل مقطع فيها كان يقول "اسطنبول - باكو، اسطنبول- آذربيجان، تركيا - آذربيجان".

كان يعد احد اغانيه بلغة البلد الذي كان يزوره، وكان يعزفها هناك ويحظى باحترام كبير. يمكن الحديث كثيرا عن هذا.

أقول فقط ذكرياتي، بل بعضها. يجب على الجميع والاجيال القادمة ان يعرفوا مدى خدمات رشيد بهبودوف أمام الشعب الاذربيجاني وتعريفه في العالم. لا أنسى أبدا الكلمات التي قالها في حديثه عدة مرات مع أخى الكبير، الأكاديمي الراحل حسن علييف. كان يقول إننا نصدر النفط الى العالم منذ ١٠٠ سنة، لكننا لم نستطع تعريف انفسنا في العالم. لكن شخصا واحدا، رشيد بهبودوف استطاع تعريف آذربيجان عبر كل العالم بأغانيه اي الأغاني الآذربيجانية. كانت كلمات صحيحة.

لن أنسى هذا أبدا. لأن هذه حقيقة. برع رشيد بهبودوف في كافة مجالات فن العزف المنفرد. .... أوبرا "سفيل". أذكر ان اوبرا "سفيل" وضعت لاول مرة في دار الاوبرا والمسرح عام ١٩٥٨. بالطبع، كنت هناك. كنت احضر كثيرا من مثل هذه الحفلات لرشيد بهبودوف. ان اوبرا "سفيل" أثارت انطباعات كبيرة جدا. أريد القول بانه وضعت مؤلفات في فن الاوبرا في آذربيجان بعد اوبرا "كوروغلو" لعزير حاجبكوف. لكن لم يكن بعده اوبرا تملك الموسيقى الرفيعة، القيمة والمحترفة كأوبرا "سفيل".

ربما هذا فكري الشخصي. لكن اعتقد ان هذا قريب من الحقيقة. أدى رشيد بهبودوف دور "بالاش" هنا ببراعة كبيرة. كنا نعلم جيدا تمثيلية "سفيل" لجعفر جبارلي. كانت توضع تمثيلية "سفيل" في مسارحنا في اوقات شبابنا. لذلك فإن تمثيلية "سفيل" التي ألفها جعفر جبارلي بقيت كمسرحية في مخيلاتنا. لكن في نفس الوقت، إخراج الاوبرا مع الحفاظ على خصائصها المسرحية، بالتأكيد، من أنجح انجازات فكرت أميروف ملحننا الكبير. اثارت اوبرا سفيل صدى كبيرة جدا حينذاك وبقيت في خشبة المسرح لمدة طويلة. وبقيت في المسرح في الاوقات الاخيرة.

كنت أفكر آنئذ وأريد أفكاري هذه الآن. يخيل لي ان عزير حاجبكوف كان يقصد فناننا العظيم بلبل عندما وضع أوبرا "كوروغلو" (من المعلوم أنه استعد لمدة طويلة لوضع هذه الأوبرا. بلبل ودور كوروغلو ... كأن دور كوروغلو وضع لبلبل. لذلك فإن مؤلف "كوروغلو" لا يزال على خشبة المسرح من ذلك الحين منذ سنة ١٩٣٨ حتى الآن. وسيبقى في المسرح بعد هذا. يظهر عازفون جدد. ينشأ عازفو الأوبرا والغناء الجميلون ويؤدون دور كوروغلو. لكن الكثير يحاولون ان يؤدوا الدور كبلبل. لأن كوروغلو بقى في مخيلاتنا في هذا المشهد، وعلى الحصان بالصوت الجميل لبلبل.)

كذلك، عندما كان يكتب فكرت أميروف أوبرا "سفيل" .... . ولو لا رشيد بهبودوف لما استطاع كتابة أوبرا "سفيل"، اي كان قد ألفه، لكنه ما كان قد قدمه في ذلك المستوى امام المجتمع والناس.

فقلت إبداع رشيد بهبودوف متشعب... ايسترادا، ثم تحديث الأغاني الشعبية وعزفها بشكل جميل عن طريق إيسترادا. سيبقى "آرشين مال آلان" دائما. شاهدت الآن الى لقطات من هذا الفيلم. وتأسفت جدا من ان تلك اللقطات التي عفا عليها الزمن على مر الزمن. أعتقد أنه يجب على وزارة الثقافة ومنظماتنا الأخرى المعنية بهذا المجال ان تعيد مثل هذه المؤلفات الخالدة. يعيش الكتاب دائما، لكن يجب على الفيلم ايضا ان يعيش دائما، تسمع التقنيات والتكنولوجيا المعاصرة بإعادة ترميمها كما كانت في السابق. يلزم هذا بكل بد. "مشترى الأقمشة" احد اكبر إنجازات التأريخ الثقافي الآذربيجاني. لذلك، كتب لهذا الفيلم الخلود. يجب على ذلك الفيلم ان ترى الاجيال القادمة عظمة شخصية عزير حاجبكوف، ترى مدى كبر قدرة رضا تحماسيب على الاخراج. وترى الاجيال القادة مدى عبقرية رشيد بهبودوف. علينا أن نفعل هذا بكل بد. لقد راينا كل هذا. لكن يجب التفكير في الأجيال القادمة. يلزم التفكير بكل بد.

قلت بعض افكاري عن إبداع رشيد بهبودوف. لكن ذكرياتي كثيرة ايضا. كانت بيني وبينه علاقات الصداقة الشخصية. كانت بيننا علاقات الصداقة الشخصية قبل كثير من رئاستي آذربيجان.

كان يربطني معه فنه الجميل في هذه الصداقة. أما هو فكان إنسانا كان يحترمنى جدا بأسباب معينة. حينذاك لم أكن في رئاسة الجمهورية.

كما أذكر، ذات مرة كنت قد ذهبت الى الحفلة الموسيقية الى نادي "شهريار" (كانت فيه حفلة موسيقية لمغن شهير كان هناك محفل صغير، كنت حينذاك رئيس لجنة امن الدولة) او كان قبل هذا، على كل حال كانت اواسط الستينيات، ربما اوائلها. وكان رشيد هناك، استمعنا اليها معا. ثم خرجنا من هناك، كننا نتمشى، كما تعرفون، كان رشيد يعيش قرب الكورنيش، أما انا ، كما تعرفون، بدأت اعيش هنا مؤخرا. كنت أسكن في بيت شقة ذات ٣ طوابق في ملتقى جادتي آذربيجان وبلبل.

كنا نمر به، قلت، تعالى نشرب الشاي. قال، بكل امتنان. ذهبنا الى بيتنا، جلسنا، شربنا الشاي وتحدثنا. خدمتنا قرينتي الراحلة ظريفة. قلت لرشيد أفكاري عن عدة أغان. وفجأة سألته لماذا لا تعزف أغنية "آذربيجان"، لرؤوف حاجييف حتى الان؟ قال، لم افكر فيه بعد. قلت: هل تعلم هذه الاغنية؟ قال، بالتأكيد، اعلم. جلست ظريفة خانم وعزفتها في البيانو. بدأ رشيد يعزفها قليلا. بعد هذا بـ١٥-١٠ يوما اتصل بي هاتفيا وقال ان هذه الاغنية جاهزة.

عزف هذه الاغنية في الفيلم اليوم قبل حضوري هنا. هي اغنية جميلة جدا، اغنية ألفها رؤوف حاجييف على كلمات الشاعر انور عليبكلي.

كان يعزف الكثير هذه الاغنية. لكن لم يعزفها اي احد كرشيد حينذاك، ولا يستطيع هذا اليوم اي احد. كما لا يستطيع اي احد ان يعزفه كما عزفها بلبل. وكما عزفها رشيد.

مسلم ماقوماييف بيننا ومن منظمي هذه الحفلة الموسيقية اليوم. لكن تلحين اغنية "اذربيجان" لمسلم ماقوماييف - كلمات لشاعرنا الكبير نبي خزري، لا يعزفها اي احد. لان مغنينا لا يسعون الى عزفها. لان هذه الاغنية بقيت في ذهننا بعزف مسلم ماقوماييف. ولا يعزف هذه الاغنية مثله اي احد اليوم ولن يعزفها في المستقبل ايضا. هذه اغنية كتبت في السبعينيات ايضا. مسلم ماقوماييف من اصدقائي الصدوقين وكنت حاميه كشخص كبير السن منذ شبابه. كانت سنة ١۹۷٤ او ١٩۷٥ عندما عزف هذه الاغنية في هذه الصالة لاول مرة، ثم كتب على النوطة انه يهديها اليّ. وقلت له ألا يبلغ هذا اي احد. اقبلها وسابقيها في البيت. لان مثل هذه الاشياء قد تثير غيرة كبيرة في العهد السوفييتي. قد يثير الغيرة لان المغني الكبير مثل مسلم ماقوماييف اهدي اغنية لحيدر علييف. لكني ابوح الآن هذا السر. لان هذا ممكن الآن.

كان رشيد بهبودوف انسانا شيقا جدا. اي ان الكثير رأوه على خشبة المسرح، لكننا كنا معا كثيرا. في الظروف العادية، اي عام ١۹٧٠ (منذ سنة وانتخبت رئيسا لاذربيجان) زرنا كازاكستان ضمن وفد كبير. كان يحتفل حينذاك اليوبيل الخمسين لكازاكستان. سافر بريجنيف قائد الاتحاد السوفييتي الى هناك. لذا زار اقطاب كل الجمهوريات الاتحادية الى كازاكستان. وهذه كانت اول زيارتي الى مكان آخر كقائد أذربيجان. ادخلت الى عداد الوفد رشيد بهبودوف ايضا. كان حينذاك مغنيا وكذلك نائبا للسوفييت الاعلى للاتحاد السوفييتي. بإدخالي اياه الى عداد الوفد ابديت اولا صداقتي وثانيا قلت انه سيزين وفدنا. لانه معروف اكثر منا.

زرنا كازاكستان. كان الجميع يرددون كلمات "رشيد بهبودوف، رشيد بهبودوف" حيثما كنا. رأيت حينذاك مدى محبة الجميع اليه.

كنا نسكن في مكان وفندق واحد. مساء يوم اجتمعنا للطعام. كما تعلمون ان لحم الحصان من الاطعمة المحترمة في كازاكستان. أكلت من لحم الحصان. وقلته ان يأكله. قال ما هذا؟ قلت انه لحم الضأن. أكل رشيد بالهناءة والمراءة. بعد انتهاء الأكل قلته، هل علمت ماذا أكلت؟ قال لا، قلت انه لحم الضأن. قلته انك أكلت لحم الحصان. تحير نفسه، ارتبكت حاله... لماذا فعلت هذا،...عفوا، اقول هذا واقول ما حدث في الحقيقة، ثم ذهب وتقيأ في غرفته. اي كانت في خاصيته هذه القومية. ولا يستطيع قبول الاشياء غير الخاصة بأمته ولو كانت في الاكلات. كنت اسأله كثيرا: ماذا تأكل؟ كان يقول انه يحب "دوغا". اي تأكل كل يوم دوغا؟ كان يقول نعم؟ جلست قرينته هنا، لعلها تعرف هذا احسن مني. لكني اقول كلماته.

فيما بعد أنشأ بهبودوف مسرح الموسيقى. كان يواجه الصعوبات ايضا في هذا المجال. كما تعلمون ان الانسان يزيد قيمته بعد فراقه الحياة. يبدأ الناس يفكرون اكثر موضوعية عنه. لكن كان له مشاكل حينذاك. على ما تعلمون ان عالمنا الثقافي يعاني من الغيرة وفلان وفلان ايضا. يمكن حدوث الغيرة. لكن الغيرة ضد رشيد بهبودوف غير معقول. لان عندما تغير يجب عليك ان تغير شخصا في مستواك او شخصا يتقدمك مرتبة واحدة. الغيور يقارن نفسه مع شخصية اعلى منه درجة. لذا كان يواجه مثل هذه المشاكل. احيانا كان يشتكي عندي. لكني كنت اساعده كل مرة. ليس لانه كان صديقا لي بل لانه كان احد ابرز الشخصيات لاذربيجان.

كان يريد مبنى لمسرح الموسيقى. قلت له، ابحث وسنزودك بالمبنى الذي تريده. او اقترحت بانشاء مبنى جديد. رفض. وجد المبنى الحالي للمسرح مناسبا له. وابلغني. لكن كان يقع هناك معهد تصميمي. علمت ان هذا المكان ضيق لهم ايضا. لكنه استحسن هذا المكان. نقلت معهد تصميم من هناك وامرت بترميمه. والآن يقع هنا مسرح الموسيقى الحامل اسم رشيد بهبودوف. جميل جدا وليس كبيرا، صغير الحجم، كأن روح رشيد هناك.

كنا نلتقى معه عندما حضر دورات السوفييت الاعلى الى موسكو في السنوات الاخيرة. لكن انقطعت صلتي معه فيما بعد. بالطبع ان وفاته اثارت حزنا لدينا. لكنه لم يفارق الحياة. يعيش في قلوبنا ويعيش فنه واغانيه. مع اقامة هذه الامسية المكرسة لذكراه نحيي مرة اخرى خدماته في الذكرى العاشرة لاستقلال دولة اذربيجان. مع السلامة.

صحيفة "اذربيجان"، ١٤ اكتوبر عام ۲٠٠١