مؤلفاته / الاقتصاد / من المنابر العالية

خطاب حيدر علييف رئيس الجمهورية الآذربيجانية في المؤتمر الدولي الذي أقامته غرفة التجارة الأمريكية الآذربيجانية في واشنطن تحت عنوان "آذربيجان بوابة اورآسيا وبلد الأحلاف الاستراتيجية والاقتصادية"- ١١ سبتمبر عام ٢٠٠٠، واشنطن


رئيس المؤتمر المحترم!

السيدات والسادة الكرام!

أهنئكم من صميم القلب بمناسبة الذكرى الخامسة لتأسيس غرفة التجارة الأمريكية الآذربيجانية وافتتاح مؤتمرها الرابع. واتمنى النجاحات في عمل المؤتمر، عامة، في كافة الاعمال المستقبلية لغرفة التجارة الأمريكية الآذربيجانية. اما تاسيس غرفة التجارة الأمريكية والآذربيجانية فانه ليس من الصدفة. لقد صمدت آذربيجان للمحن الصعبة جدا في حياتها بعد نيلها الاستقلال السياسي في نهاية سنة ١٩٩١. وهذا هو الذي تعرفونه، لعل الأشخاص الذين رأوا آذربيجان واطلعوا على وضعها حينذاك يتذكرون هذا.

الانسان مخلوق ينسى الاشياء الرديئة والسلبية. لكن التأريخ لا ينسى هذه الأشياء ويكتبها في صفحاته ليطلع المهتمون عليها.

كانت آذربيجان في الوضع الشاق جدا عندما حصلت على استقلالها السياسي. أولا، منذ عدة أعوام وكانت الحرب تدور بين أرمينيا وآذربيجان وكان سببها دعاوى أرمينيا الاقليمية لأراضي آذربيجان في سنة ١٩٨٨. أي بدأت أرمينيا النزاع بغية غصب اقليم ناغورني كاراباخ الذي هو ارض آذربيجانية قديمة من آذربيجان والحاقه بأرمينيا. ثم تحول هذا النزاع الى حرب وأسفر عن اراقة الدماء ومقتل عشرات الآلاف من الناس وأصبح مثل ذلك القدر من الناس معوقين وأصيبوا بالجروح. وفقدت عشرات الآلاف من الأسر أولادها واصبحت النساء عرامل. من الطبيعي ان هذا اصبح مأساة كبيرة بالنسبة لآذربيجان. تمكنت القوات المسلحة لأرمينيا من احتلال ٢٠ بالمائة من الأراضي الآذربيجانية نتيجة لهذه ولعدة أسباب أخرى، بصراحة القول- بسبب المساعدات العسكرية التي قدمتها بعض الدول لأرمينيا حينذاك وبسبب انعدام الاستقرار الاجتماعي السياسي داخل آذربيجان في نفس الوقت. وتم تشريد اكثر من مليون مواطن آذربيجان- بين رجال ونساء و أطفال من الأراضي المحتلة. انكم تشاهدون على هذه الخارطة اراضيا ملونة بالاحضر والأحمر والأصفر. وهذه ٢٠ بالمائة من الاراضي الآذربيجانية. ان الأرض الملونة بالأحمر هي اقليم ناغورني كاراباخ ذو الحكم الذاتي. لقد انشئ هذا الاقليم عن طريق غير شرعي في سنة ١٩٢٣. ان انشاء الاقليم ذي الحكم الذاتي داخل آذربيجان فهو كان حينذاك بمثابة طعن خنجر على قلب آذربيجان.

لكن خرائط الجمهوريات المتحدة كانوا يرسمونها، مع الأسف، على هواهم، غير آخذين بعين الاعتبار ارادة الشعب، ولا الحقيقة التأريخية في الوقت الذي أنشئ الاتحاد السوفييتي حديثا. ان عدد الموظفين الارمن الاصل ما كان يقل بين قادة الاتحاد السوفييتي آنئذ.

عند بدء النزاع، أي في سنة ١٩٨٨ كان عدد القاطنين في ناغورني كاراباخ ١٧٠ ألف نسمة. وكان ٣٠ بالمائة منهم هم الآذربيجانيون و٧٠ بالمائة منهم هم الأرمن. وتصوروا الآن ، كم كان عدد السكان هناك قبل هذا بـ ٨ سنة. لعل أقل من ١٠ مرة. لكن رغم هذا، انشئ مثل هذا الاقليم ذي الحكم الذاتي وفقا لادعاءات الارمن.

ان الأقاليم والجمهوريات ذات الحكم الذاتي التابعة للاتحاد السوفييتي، عامة، كانت كيانات ذات الحكم الذاتي الداخلة في عداد الاتحاد السوفييتي. في عهد الاتحاد السوفييتي كانت كل اقليم ذي حكم ذاتي وكل جمهورية ذات حكم ذاتي تعيش في اطار حدودها وضمن صلاحياتها. لكن الاتحاد السوفييتي والحكم الشيوعي بدأ يحلحل في الفترة ما بين سنتي ١٩٨٧- ١٩٨٨. وفي هذا الوقت وجد الانفصاليون العدوانيون لأرمينيا فرصة سانحة لغصب ناغورني كاراباخ من آذربيجان والحاقها بأرمينيا. بهذا السبب اندلع ذلك النزاع.

ان القوى السياسية المختلفة كانت تتصارع داخل البلد، مع الأسف، من أجل الحكم مستفيدة من وجود الوحدات المسلحة في حين كان من الواجب فيه ان توحد الشعب داخل الجمهورية وتحول دون النزاع معا وتحارب العدو للحفاظ على أراضيها في الوقت الذي كان هذا النزاع مستمرا. وهذا أدى الى استيلاء القوات المسلحة لأرمينيا على اجزاء كبيرة من تلك الأراضي.

مما اريد ان أشيد اليه هو أن الأراضي الملونة باللونين الأخضر والأصفر الواقعة حول ناغورني كاراباخ لا صلة لها باقليم ناغورني كاراباخ ذي الحكم الذاتي. كان سكان هذه المقاطعات الاذربيجانية الاذربيجانيين فقط. ناغورني كاراباخ هي الأخرى لآذربيجان، لكن تم تقديم الوضع القانوني للحكم الذاتي الى الاقليم. لأن أكبر بقليل من القاطنين هنا هم ارمن الأصل.

هكذا تم تشريد السكان - اكثر من مليون آذربيجاني من كل هذه الاراضي التي تشاهدونها على الخارطة. اما الآذربيجانيون القاطنون في ناغورني كاراباخ فانهم بالطبع تم طردهم منها في عام ١٩٨٩. لكن سكان المقاطعات المجاورة لناغورني كاراباخ فتم تشريدهم اثناء الفترة اللاحقة من الحرب، عند احتلالها خلال سنتي ١٩٩٢-١٩٩٣. أي تم تشريد مليون آذربيجاني، مواطنينا من ديارهم، منذ ٨ سنوات ويستوطنون في المخيمات. وهذا أمر لم يسبق له بديل في العالم.

توجد في الوقت الحالي نزاعات تدوم سنتين او ثلاث او أربع سنوات في بعض البلدان والمناطق المختلفة للعالم. لكن النزاع الذي له تأريخ طويل مثل هذا وفي نفس الوقت فان عيش مليون شخص من سكان آذربيجان الذين مجموع عددهم عبارة عن ٨ ملايين في وضع اللاجئ في المخيمات داخل بلدهم فهذا، بالطبع، أمر لم يسبق له بديل في العالم. رغم كل هذا، فاننا أيدنا انهاء الحرب في شهر مايو لسنة ١٩٩٤. وتم التوقيع على اتفاقية حول وقف اطلاق النار واجراء محادثات السلام بين أرمينيا وآذربيجان.

منذ ما يزيد ٦ سنوات ونسعى الى تسوية القضية بالطريقة السلمية. لكن مع الأسف، لم نستطع تسوية القضية بعد.

ان مجلس الأمن لدى منظمة الامم المتحدة أصدر قرارات، بعد استيلاء القوات المسلحة لارمينيا على عدة مقاطعات آذربيجانية خلال سنتي ١٩٩٢-١٩٩٣. لقد تم تبني ٤ قرارات حيث اظهرت أولا ان انتهاك وحدة أراضي آذربيجان وتخومها غير مسموح به وان القوات المسلحة لأرمينيا يجب ان تنسحب من الأراضي الآذربيجانية المحتلة من دون قيود وشروط. لكن، مع الأسف ان هذه القرارات الصادرة من منظمة الأمم المتحدة بقيت سوادا على بياض حتى الآن وبهذا السبب بالذات، انتقدت بشدة منظمة الامم المتحدة ومجلس الأمن في دورة مجلس الأمن المنعقدة بنويورك قبل هذا بعدة أيام لعجزها الى هذا الحد وعدم قدرتها على توفيرها لتنفيذ قراراتها.

هذا وأنشئت مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوربا في سنة ١٩٩٢ لتسوية القضية وعهد الى هذه المجموعة باجراء محادثات السلام. ان مجموعة مينسك قد تقدمت بعدة مرات بالاقتراحات ذات الصلة. وقبلت آذربيجان تلك الاقتراحات رغم هذا استهتر الطرف الأرمني بتفوقه، أي باستيلائه على الأراضي الآذربيجانية ورفضت هذه الاقتراحات.

في قمة لشبونة لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا عام ١٩٩٦ تم تبني وثيقة لتسوية القضية- اذا يمكن القول- للخروج من هذا الوضع- ولو لا يصب الى حدما لمصالح آذربيجان، فاننا قبلنا هذه الوثيقة. لكن أرمينيا رفضتها. كانت كنه هذه الوثيقة ضمان وحدة الأراضي لآذربيجان. أي يجب أن تنسحب كل وحدات جيش الاحتلال من آذربيجان وان يمنح لناغورني كاراباخ أعلى درجة من الحكم الذاتي التابع للدولة الآذربيجانية. وهنا مفيد بمكان بالنسبة لأرمينيا. لكنها رفضت هذا أيضا. وبعد هذا لم تتوصل مع الأسف روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا - الدول الكبرى الثلاث للعالم التي نعلق عليها آمالا كبيرة والتي تتولى رئاسة مجموعة مينسك مجتمعة ، الى تسوية هذه القضية حتى الآن. كل مرة وعدت، لكن لم تنفذ هذه الوعود.

في السنة الماضية، أي في بداية سنة ١٩٩٩ بدأت لقاءات مباشرة بين رئيس أرمينيا وآذربيجان للخروج من هذا الوضع. في بادئ الأمر اريد ان أقول ان الاقتراحات المقدمة في قمة لشبونة هذه كان يقبلها تير بطرسيان الرئيس السابق لأرمينيا. وكنا قد اوشكنا ان نبرم اتفاقية في نهاية عام ١٩٩٧. حتى انه أدلى بتصريحات بهذا الصدد أيضا. لكن بعض القوى الموجودة داخل ارمينيا وخارجها لم تمكنه من هذا. واستقال عن منصبه، أي منصب رئيس أرمينيا. بعد هذا انتخب روبرت كوتشاريان رئيسا لأرمينيا. وهو كان يعارض قرار تير بطرسيان حينذاك.

وانقطعت المحادثات في عام ١٩٩٨ بسبب انتخاب رئيس جديد لأرمينيا. لكن بدأت المحادثات في سنة ١٩٩٩ بين الرئيسين الآذربيجاني والأرمني علييف وكوتشاريان. ويمكنني القول ان هذه المحادثات نجحت في مرحلة معينة ويرى كلا الرئيسان ضرورة تقديم التنازلات الثنائية لتسوية القضية. أي يجب على أرمينيا وكذلك آذربيجان ان تقدما تنازلات. اعتقد ان هذا طريق قويم الآن. ولا يمكن سوى هذا. لكن مع الأسف، حصل في أرمينيا في شهر اكتوبر عام ١٩٩٩ حدث ارهابي كبير كما تعلمونه. وهاجم الارهابيون الى مبنى البرلمان واغتالوا رئيس البرلمان ورئيس الوزراء وعددا من اعضاء البرلمان. وزاد الوضع داخل أرمينيا تفاقما. وتوقفت هذه المحادثات الى درجة معينة. لكننا استأنفنا المحادثات. كما التقينا نحن الرئيسين الآذربيجاني والأرمني في نيويورك واجرينا محادثات. وقررنا ان نستمر في المحادثات.

وأعلن اليوم ان آذربيجان لا تريد استئناف العمليات العسكرية. وتسعى الى تسوية القضية بالطريقة السلمية وسوف تسعى اليه. لكن يجب اعادة وحدة الأراضي لآذربيجان. وينبغي ان تنسحب القوات المسلحة لأرمينيا من الأراضي الآذربيجانية. ويمكن تقديم أعلى درجة من الوضع القانوني للحكم الذاتي الى ناغورني كاراباخ في التبعية لآذربيجان.

وهذه هي المعلومات الضرورية التي سأزودكم بها. اذا لا تعلموا هذا فلا تكونون على المام بالسبيل الذي اجتازته آذربيجان بعد نيلها الاستقلال السياسي.

وأضيف الى ذلك، كما ذكر هذا السيد ما تسكي هنا- ان الكونغرس الامريكي هو الآخر قام بتنقيح قانوني على النقيض من ان يكون عادلا في هذا الشأن ويسعى الى معالجة المسائل. وفقا لهذا التعديل حرم الكونغرس آذربيجان من الاعانات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية الى الدول الحديثة الاستقلال، بسبب ما اسماه فرض آذربيجان حصارا على أرمينيا.

وهذا تناقض ظاهري. لقد احتلت أرمينيا أراضي آذربيجان. اذاما يدور الحديث حول الحصار فها تشاهدون، ان السكة الحديدية التي تعبر آذربيجان تمر بالحدود الايرانية وتدخل الى أرمينيا ولا تزال تحت الاحتلال الأرمني. بسبب لستيلائها على تلك السكة الحديدية لا تستطيع آذربيجان ان تستفيد من هذه السكة الحديدية. فيما يتعلق بجمهورية ناختشفان ذات الحكم الذاتي جزء لا يتجزأ من الأراضي الآذربيجانية فانها محرومة من كافة خطوط المواصلات. اننا نتصل بناختشفان الا عن طريق الخطوط الجوية، عن طريق الطائرات. والآن تصوروا، من فرض الحصار، أفرضت آذربيجان الحصار على أرمينيا أم بالعكس؟. لكن الكونغرس الأمريكي عالج المسألة بالعكس. منذ سنوات ونعمل في هذا المجال. وتعلن الحكومة الأمريكية ان هذه مادة جائرة ويجب الغاؤها. كما يعتبر عدد كثير من أعضاء الكونغرس انها مادة جائرة ينبغي القضاء عليها.

في السنة ١٩٩٧ وقعت على تصريح مع السيد كلنتون الرئيس الأمريكي. لقد صرحنا انا وهو بان المادة برقم ٩٠٧ يجب الغاؤها. كما ان أصدقاؤنا والشركات النفطية التي تتعاون معنا يحرصون على هذا. قبل وصولي الى هنا بيوم قد أصدرت شركة "اكسون موبيل" في جريدة مقالة حول هذا، أي حول الغاء المادة برقم ٩٠٧. لكن لا يمكن القضاء على تلك المادة. لماذا؟ كل مرة يردون علينا ان الكونغرس يكثر فيه عدد الأعضاء من انصار الأرمن، ويشكلون الأغلبية عند التصويت. لذا لا يمكن الغاء المادة برقم ٩٠٧.

اعلموا، اني اتحدث معكم اليوم بصراحة. ولا أقول هذا لكم فحسب، بل للمجتمع الأمريكي بأسره أيضا. ويعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية أعدل دولة في العالم. واراها هكذا أيضا. انها دولة ديموقراطية، وعادلة وكذلك انسانية. لكن اذا يصدر قانون جائر الى هذا الحد في الدولة العادلة والديموقراطية والانسانية ولا تتمكن السلطات الأمريكية والحكومة الأمريكية والكونغرس الأمريكي من التوصل الى التسوية العادلة لهذه القضية بسبب الآراء الشخصية، اذا يمكن القول، لمختلف النواب او أعضاء الكونغرس فاذن اعلموا اننا نفقد كثيرا هنا. لكن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى تضيع كثيرا هنا. لأنها تفقد صورتها العادلة. ويجب ان تعرف هذا الحكومة الأمريكية.

اننا نعمل اليوم وسنسعى في المستقبل أيضا. ليست المسألة، مثلا، مسألة الاعانات المباشرة سنويا بمقدار مئة مليون دولار من قبل الولايات المتحدة الامريكية لأرمينيا ولجورجيا وبلدان آسيا الوسطى، اما نحن فانها لا تقدم اية مساعدة لنا بسبب حظر هذا القانون عليها. بالتأكيد، ان مائة دولار في السنة ضرورية جدا لآذربيجان التي تعيش في الوضع الاقتصادي الشاق وكذلك للاجئينا أولائك. لكننا اجتزنا عهودا صعبة جدا فسنجتاز هذا أيضا. والأمر ليس هنا والأمر في جانبه المعنوي. ليست المسألة مسألة مادية، انها اتخاذ موقف المحاباة تجاهنا. ولا أساس هنا للمحاباة ضدنا. وبدأت آذربيجان تعيش كدولة مستقلة في مثل هذه الظروف بالذات. في مثل هذا الوضع بالذات سعت، كما قلت، القوى المسلحة المختلفة في داخل آذربيجان الى القبضة على الحكم، قامت بمحاولة مسلحة للانقلاب الحكومي.

في سنة ١٩٩٣ لقد اندلعت الحرب الأهلية في آذربيجان وان البلد مهدد بخطر الانقسام. كما تعلمون اني ما كنت أعيش في باكو حينذاك. ودعاني الشعب الى آذربيجان. ورجاني ان أتولى منصب رئاسة آذربيجان. ووافقت انا على هذا ومنذ الحين أرأس الجمهورية الآذربيجانية.

لكننا عشنا عهودا صعبة بعد هذا أيضا. وقامت القوى المسلحة المتفرقة بمحاولة الانقلاب الحكومي مرتين حين عدت الى الحكم مجددا. لكننا حلنا دون هذا بعزم الشعب، لا بقوة السلاح، بل بقوة الشعب. وبدأنا استقرار الاوضاع الداخلية في اذربيجان. ان سنتي ١٩٩٤ و١٩٩٥ أصبحتا سنتي التحول. لقد تم تحقيق الاستقرار الاجتماعي السياسي في آذربيجان تماما في سنوات ما بعدهما.

في مثل تلك الظروف، في شهر سبتمبر عام ١٩٩٤، قبل هذا بـ ٣ سنوات وقعنا لأول مرة مع شركات النفط الكبرى للعالم، خاصة شركات الولايات المتحدة الأمريكية على معاهدة حول الاستغلال المشترك لحقول النفط الغنية الموجودة في القطاع الآذربيجاني من بحر قزوين. تمر ٦ سنوات على ابرام تلك المعاهدة. هذا ليس وقتا كبيرا الى حدها. لكن تلك المعاهدة اتت حدثا كبيرا سواء لبلدنا أو ١١ شركة بترولية كبرى للبترول وقعت عليها، من جملتها للشركات الأمريكية. لقد دشنت تلك المعاهدة طريقا امام استغلال البلدان العالمية موارد النفط والغاز - موارد الطاقة لبحر قزوين عامة.

ان الجيولوجيين الآذربيجانيين يعلمون جيدا بحر قزوين. لقد استخرجنا النفط من البحر في آذربيجان قبل ٥٠ سنة في عهد الاتحاد السوفييتي. ان النفط ما كان يستخرج حينذاك من البحر ولا من البحر الشمالي، ولا من خليج المكسيك ولا في مكان آخر.

لقد ثار النفط على البحر في آذربيجان لأول مرة في العالم في عام ١٩٤٨ ، أي بدأت في استخراج النفط بالطريقة الصناعية، عام ١٩٤٩ شرع بلدنا في استخراج النفط لأول مرة في العالم من أعماق البحر. انظروا، كم قدرة كبيرة يملكها علماؤنا وجيولوجيونا وخبراؤنا وعمالنا في النفط. من هذا السبب درسنا جيدا بحر قزوين.

وكانت الحكومة السوفييتية تستخرج النفط، مثلا، في سبيريا وغيرها من الاماكن لرخصة كلفته، عندما كنا في عداد الاتحاد السوفييتي كانت تبقى الحقول المكتشفة من قبلنا غير مستغلة. لكن لم تكن لدينا أية إمكانية التصرف في الاستفادة من هذه الحقول. ان حصول آذربيجان على الاستقلال السياسي وتحرير شعبنا وتقرير مصيره وتوصل شعبنا الى مكانية معالجة قضاياه بشكل مستقل فمكنت كل هذا جمهوريتنا من اتخاذ هذه الخطوة.

ومن المعلوم الآن انه تم استخراج أكثر من ١٠ ملايين طن من النفط وفقا لتلك المعاهدة الأولى. كان ذلك النفط يصدر في البداية عن طريق خط انابيب باكو- نوفوروسيسك. لكننا رأينا ضرورة إنشاء خط انابيب بديل أيضا. وانشأنا خط أنابيب النفط باكو- سوبسا. ويتم تصدير النفط المستخرج حاليا الى الخارج عن طريق هذين الخطين للأنابيب عامة، أبرمنا حتى الآن ١٩ معاهدة. غدا سأبرم معاهدة أخرى أيضا. وهذه ستكون المعاهدة العشرين اثناء زيارتي الرسمية في عام ١٩٩٧ وقعنا في البيت الأبيض على ٤ معاهدات في حضور الادارة الأمريكية. احداها هي المعاهدة التي أبرمناها في البيت الأبيض مع شركة "شيفرون". لقد مضت ٣ أعوام على سنة ١٩٩٧، يقول لي صديقي ماتسكي انه سنستخرج قريبا كمية هائلة من النفط والغاز من حقل النفط "آبشيرون". وأثق بهذا. لأني اذا ما وثقت به فلم اقترح بذلك الحقل النفطي. ان لم يثق السيد ماتسكي وخبراؤه فلن يناضلوا من اجل الحصول على حقل النفط "آبشيرون". لكنهم جاهدوا كثيرا. فاني انتظر وأثق وطيد الثقة باننا سنتوصل الى هذا. لكن هذه معاهدة واحدة.

أما الأخرى فهي معاهدة القرن التي أنا بصددها. ان شركات البترول بدأت تكسب أرباحا منها. لقد تم كسب مليار ومائتي مليون دولار ربحا. كذلك كسبت الشركات الأمريكية ٣٥٠ مليون دولار ربحا. اعلموا، لقد تم توظيف الأموال، لكن تم الحصول على الارباح. اذا اخذنا بعين الاعتبار الشركات الأمريكية فانها قامت بتوظيف مليار ومائتي مليون دولار من الأموال ولا غيره. اما مجموع حجم الاستثمارات فانه ٣ مليارات ومائتا مليون دولار. وقامت الشركات الأمريكية بتوظيف مليار ومائتي مليون دولار منها. لكنها كسبت ٣٥٠ مليون دولار من الارباح. وسيزداد انتاج النفط حاليا وخلال سنتين أو ثلاثة سنوات وستكسب كل الأموال التي صرفتها وستكسب أرباحا من عائدات النفط. أي يظهر هذا المثال الذي أوردته مدى إنجازات سنتوصل إليها في تلك المعاهدات.

عامة، ينتظر تدفق نحو ٦٠ مليار دولار من الاستثمارات الى اذربيجان بموجب ١٩ معاهدة موقعة حتى الآن.

من الطبيعي انه يجب إنشاء خط جديد وكبير لأنابيب النفط لتصدير النفط الى الأسواق العالمية كلما إزداد إنتاج النفط. لهذا، قبل عدة سنوات، اصدرنا قرارا حول إنشاء خط أنابيب النفط باكو- تبيلسي- جيهان. وصحيح ان هذا واجه المعارضات الكبيرة جدا. من جهة، فان اتخاذ اعمال كبيرة بهذا المفدار في بحر قزوين من قبل آذربيجان وجلب الشركات الأمريكية وشركات البلدان الغربية الى بحر قزوين اثار معارضة جيراننا ضدنا. ويجب عليكم أن تعلموا هذا.

ثانيا، ينظرون بعين الشك العميق تجاه هذه المشاريع. أحيانا يكتبون في الصحف الأمريكية ان بحر قزوين لا يوجد فيه نفط بهذه الكمية.

ويكتبون الأكاذيب وهذه إحداها. وإن إنشاء ذلك الخط لأنابيب النفط مرتبط بهذا أيضا. ثانيا فان الشركات النفطية العاملة في آذربيجان اتخذت موقفا محافظا قليلا في هذا العمل. أي، لا نستعجل وننتظر قليلا لكي يستخرج النفط بكميات أكبر. لكنا ما اخذنا هذا بعين الإعتبار وواصلنا عملنا. في قمة منظمة الأمن والتعاون في أوربا، المنعقدة في اسطنبول في شهر نوفمبر للسنة الماضية وقع رؤساء البلدان الأربعة - تركيا، آذربيجان وجورجيا وكازاكستان على المعاهدة النهائية حول إنشاء خط أنابيب النفط باكو- جيهان وأقرت هذا برلماناتنا. لقد بدأنا الاعمال الفعلية.

صحيح انه يريدون أن يعرقلوا بعض العرقلة هذا العمل في الشركة العملياتية الدولية الآذربيجانية - وهذه اسم مجموعة الشركات. لذا، فإني أتوجه بنداء اليوم، بما في ذلك لشركة "إكسون". لأن هذه الشركة هي الأخرى تريد ان تدبر له مقلبا قليلا في هذه المسألة. أدعوها الى التفكير. لتفكر في ان هذا العمل عمل ضروري ويجب تحقيقه وسنقوم نحن بهذا.

ولم تكن المعلومات حول كلفته صحيحة فيما قبل. لقد زعم ان خط الانابيب هذا سيكلف ۳ مليارات و۲۰۰ مليون دولار. لقد قدمت هذه القيمة من قبل الكونسورسيوم. لكن هذا الرقم انخفض الى مليارين و۲۰۰ مليون دولار بعد التقديرات. تعهدت تركيا بانها ستدفع ما قد يفوق مليارين و۲۰۰ مليون دولار من الأموال عند إنشاء خط الانابيب هذا. اي حللنا كل شيء.

فترون ان آذربيجان اتخذت أعمالا كبيرة للاستفادة من موارد الطاقة الموجودة في بحر قزوين في وقت قصير، اي خلال سنوات. ليست هذه الأعمال لنا فقط، فحسب بل للشركات الأمريكية والأوربية أيضا. لقد أتت عدة شركات يابانية الى آذربيجان. والحدث التاريخي هو أن آذربيجان هي مؤلفة انفتاح حقول النفط والغاز الغنية هذه الموجودة في بحر قزوين أمام البشرية والعالم. لقد قمنا بهذا. لأن القطاع الكازكستاني من بحر قزوين قد اتخذت الأعمال أيضا. واعلنوا انهم اكتشفوا حقلا كبيرا. ويبدأ اتخاذ الأعمال المتفرقة في القطاع التركمنستاني من بحر قزوين أيضا. مثلا، ابلغونى ان شركة "لوكويل" حفرت بئرا في القطاع الروسي من بحر قزوين وتوصلت الى نتائج حسنة فيها. وهذه طبيعية. ونعلم انه توجد في كل انحاء بحر قزوين قليل أو كثير من مثل هذه الحقول النفطية والغازية. اننا نفتخر بهذا ونرى مستقبلا حسنا جدا لهذا العمل. ان المعاهدات الموقعة تسري لمدة ۳۰ سنة. لكننا نحققها سابقا لأوانها. حول عمل غرفة التجارة الأمريكية الآذربيجانية. أظن ان المعرض الذي شاهدناه اليوم يبشر بمعلومات حسنة. ثم سيلتقي رؤساء الغرفة الأمريكية الآذربيجانية ووزراؤنا ويوردون امثلة ملموسة. لكن أريد ان أقول ان العلاقات الاقتصادية الأمريكية الآذربيجانية تطورت كثيرا خلال هذه السنوات. أولا، في القطاع النفطي، ثانيا في القطاع غير النفطي، اذا استثمرت الشركات الأمريكية في العهد الماضي أموالا بحجم مليار و٦٠٠ مليون دولار، فتم توظيف مليار و۴۰۰ مليون دولار منها في القطاع النفطي و۲٠٠ مليون دولار في القطاع غير النفطي.

حاليا تعمل في آذربيجان نحو ۲۰۰ شركة أمريكية مختلفة الاتجاهات، بعضها الشركات، المؤسسات المشتركة الأمريكية الآذربيجانية. يقوم بعضها بأعمال كبيرة وبعضها صغيرة. مثلا، رأيت في المعرض ان شركة تقوم بأعمال الترجمة هنا، أو بأعمال أخرى. ولا أعرف معظمها. لكن أرى، جاءت شركة لتقوم بأعمال الترجمة هنا. بل اريد ان اقول ان لدينا كثيرا من المترجمين. لكن هنا منافسة، جاءت واستحوذت السوق، وسيصعب على مترجمينا - فهذا يدل على أن الظروف للاستثمارات جيدة الآن في آذربيجان. لقد صدر كتاب خاص حول المعلومات التي زودوني بها هناك وحول إمكانيات الاستثمار في آذربيجان. أردت بقولي هذا ان أتناول القسم الرئيسي لعلاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن مؤتمرنا اليوم مكرس لـ "الوضع الجيواستراتيجي لاوربا وآسيا وآذربيجان. ويمكنني ان اقول ان بلدنا تتطور في جو من الاستقلال رغم الصعوبات المستمرة منذ ٩ سنوات. وهذا في مرحلتان. على سبيل المثال، كان الاقتصاد الآذربيجاني ينحط سنة بعد سنة. كان الانتاجين الصناعي والزراعي، الناتج المحلي الإجمالي ينخفض كل سنة بمقدار ١٠ و١٥ و٢٠ بالمائة. في سنة ١٩٩٥ توصلنا الى استقرار الوضع. منذ سنة ١٩٩٦ بدأ التطور. مثلا، قد زاد الناتج المحلي الاجمالي نحو ٩ بالمائة لهذه السنة وزاد الانتاج الصناعي ٤٥ بالمائة لدينا. كما ارتفع الإنتاج الزراعي ٨ بالمئة تقريبا والمجالات الأخرى. ما هو السبب؟ والسبب هو ان جمهوريتنا آذربيجان تعمل بشكل جاد في تحقيق الاصلاحات الاقتصادية بعد نيلها الاستقلال السياسي وخاصة بعد ان حققنا الاستقرار الاجتماعي- السياسي داخل بلدنا. لكن قد كان من اللازم ان نضمن عملية بناء الدولة في آذربيجان لتحقيق الاصلاحات الاقتصادية، وان نتبنى قوانين. ان آذربيجان تسير في الطريق التي أخذتها. ويعني هذا انه تجرى في آذربيجان عملية بناء دولة قانونية وديموقراطية وعلمانية. لقد وجد كل هذا عكسه في الدستور الذي تبنيناه في سنة ١٩٩٥ . خلال السنوات الخمس الماضية نسير في هذا الطريق وسوف نسير فيه.

لقد تم تبني قوانين كثيرة للغاية. أولا، تم تقسيم السلطة بين الهيآت التشريعية والتنفيذية والقضائية .

حتى السنوات الأخيرة كنا نعمل وفقا لسجلات القوانين المختلفة للاتحاد السوفييتي السابق. لكننا تبنينا في هذه السنة والسنة الماضية عددا غير قليل من المجلات، القوانين حيث تضمن عملية بناء الدولة وسلطة المحكمة وتحقيق الاصلاحات الاقتصادية على السواء. سيتم اجراء الإنتخابات النيابية الجديدة لدينا في شهر نوفمبر. تجري استعدادات جادة لها وأريد ان أقول انه تُنشر احيانا هنا معلومات غير موضوعية. لذلك فاني أريد أن أعلن أن عملية ما قبل الانتخابات سليمة جدا وديموقراطية. لقد تم تسجيل ١٥ حزبا سياسيا للاشتراك في الانتخابات. وتجمع الامضاءات لنيل الحق في الاشتراك في الانتخابات. لقد تم ترشيح ٨٠٠ مرشح للدوائر الانتخابية الأحادية. إذن، تم ترشيح ٨ مرشحين لمقعد واحد. تصوروا الآن، كم أساسا تهيأ لاجراء الانتخابات في جو من الحرية والديموقراطية. توفرت في آذربيجان حرية الصحافة الكاملة. تتم حماية حقوق الانسان ويوجد لدينا كل هذا. مع الأسف، فان الجرائد المختلفة تنشر معلومات غير موضوعية. وهذه تؤلمنا وتقلقنا. كما تعلمون، اننا لسنا مسئولين امام احدما. اننا دولة مستقلة. لا يمكن ان يحثنا أي أحد على ان نسير في طريق الديموقراطية. ونسير في طريق الديموقراطية واقتصاد السوق. لا يمكن ان يجبرنا أي احد على هذا. هذا هو الطريق الذي أخذناه لانفسنا. ونسلك هذا الطريق. لكن لكل بلد يسلك هذا الطريق خصائص مميزة.

ولا يمكن تطبيق مشهد الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوربية المتقدمة المتفرقة في كل بلد. تواجهنا الصعوبات والغموض في هذا الطريق. لكنا نسير وسنسير في هذا الطريق.

مثلا، خلال الأشهر الستة أو السبعة الأخيرة نهضنا بنظام المحكمة في آذربيجان الى المستوى العصري تماما وأنشأناه على أساس المبادئ الديموقراطية. لقد امتُحِن كل القضاة ومن نجح في الامتحانات تعين حاكما. وهذا لاول مرة في تأريخ آذربيجان. واقول أيضا ان بعض الناس الذين كانوا يشغلون منصب القاضي لمدة طويلة - ٢٠ أو ٣٠ سنة رسبوا في الامتحانات. أي رأينا جانبها الايجابي وكذلك كنا نراه فيما مضى. لكنا نراه عن كثب حسب نتائجها.

تجري الاصلاحات الزراعية في آذربيجان. حيث نقل الاراضي الى ملكية الفلاحين. يحقق برنامج الخصخصة، ونرى نتائجه. تحرر الاقتصاد. ان يعطي القطاع الخاص ٩٨ بالمائة من الإنتاج الزراعي الآن، واعلموا اننا في مقدمة الدول الاعضاء في رابطة الدول المستقلة في هذا المجال. أو ٩٩ بالمائة من التجارة يملكها القطاع الخاص. يعطى القطاع الخاص نحو ٤٠ بالمائة من الإنتاج الصناعي. وهذا أيضا فيما يتعلق بـنقل الأحمال والمجالات الأخرى. لقد اجتزنا المرحلة الأولى من الخصخصة. وتبنينا قانونا لتخطي مرحلتها الثانية. وبمرسومي اقررت برنامجا، ونحقق هذا. أي، ننسق هنا ايضا اقتصادنا مع اقتصاد البلدان التي تملك الاقتصاد الحر ونتكامل معه ونضمن تدفق الاستثمارات الأجنبية الى آذربيجان.

لقد تم جلب أكثر من ٥ مليارات دولار من الاستثمارات الاجنبية الى آذربيجان خلال السنوات الخمس الأخيرة. ان آذربيجان تحتل مكانا أول من بين بلدان رابطة الدول المستقلة لفرد واحد وما هو سببه؟

أولا، لأننا خلقنا ظروفا ملائمة للاستثمارات في آذربيجان: الاستقرار والقوانين والقواعد. ولو لم يكن كل هذا فلا تأتي الاستثمارات الى بلدنا. ثانيا، لقد حررنا الاقتصاد وأعطينا الناس حرية التصرف. ونساعد تطوير المشاريع. حيث يؤدي كل هذا الى تدفق الاستثمارات الخارجية الى آذربيجان من جهة، ويزداد الإنتاج الداخلي تطورا كثيرا.

لكن هذا شؤون داخلية لآذربيجان. في نفس الوقت، تعرفون ان آذربيجان تلعب دورا مهما جدا من حيث وضعها الجغرافي. لقد قلت ان خدمة آذربيجان للعالم، من جملتها للولايات المتحدة الأمريكية - ويمكن ان يقدر احد هذا كيفما يريد - عبارة عن ان آذربيجان فتحت واظهرت امام العالم إمكانيات بحر قزوين وحوضه. والآن يجب الاستفادة منها. ان البلدان المطلة على بحر قزوين لا تحتاج الى الاستفادة من حقول النفط والغاز الغنية الموجودة فيه، لأن الطلب لدينا لهذا ليس الى هذا الحد. إذن، يحتاج العالم إليها. لقد حققنا هذا. ثانيا، فان فضل آذربيجان في انها تستولي مكانا مهما جدا في إحياء طريق الحرير الكبير، مكانا استراتيجيا من جهة وتساهم فيه بشكل نشط جدا.

كما تعلمون ان طريق الحرير الكبير ترك آثار كبيرة في التأريخ. وذلك ليس لتطوير الاقتصاد وتوفير التبادل التجاري بين الدول فقط، فحسب وفي نفس الوقت، لتقارب الحضارات، أي الحضارة الشرقية مع الحضارة الغربية أيضا.

لقد لعب هذا الطريق دوره التأريخي. ثم، بالطبع، أصبح جزءا من التأريخ. ويبدون الآن اهتماما في كل مكان لإحياء هذا الطريق، في اليابان، وآسيا الوسطى وأوربا أيضا. لذا حضر الاتحاد الأوربي مشروع TRASEKA . ومن الطبيعي ان مشروع TRASEKA يحتوى جزءا من طريق الحرير، أي بلدان آسيا الوسطى والقوقاز، وبلدان البلقان- رومانيا وبولغاريا. لكن مسألة الإحياء الكامل لطريق الحرير برنامج كبير جدا. لقد تقدمنا بمبادرة هنا أيضا. في شهر سبتمبر انعقد المؤتمر الدولي في باكو آذربيجان بمبادرتنا نحن ومبادرة جورجيا. لأول مرة نظمنا مثل هذا المؤتمر الدولي . وتوافد الممثلون الرفيعو المستوى من ٣٢ بلدا على هذا المؤتمر، بما في ذلك من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية. للولايات المتحدة الأمريكية اهتمام كبير به رغم انها لا تقع على طريق الحرير. ان ٩ وفود كانت تضم على رئاستها رؤساء بلدها. وكانت تشارك هناك ١٤ منظمة دولية. لقد ناقشنا المسألة، كلنا في رأي واحد. وتبنيا وثيقة، حيث وقعت ١٢ دولة منضمة الى برنامج TRASEKA على هذه الوثيقة. بالطبع، ان هذا يقصر الطرق المؤدية من الشرق الى الغرب كثيرا، نحو ألفين كم. لكن المسألة ليست مسألة قصر المسافة فحسب، بل هي ان هذا طريق بديل. اذا كانوا يسافرون فيما قبل من الشرق الى الغرب عبر المحيطات والأبحار وحدها، أي عبر اراضي روسيا، فيمكن الآن الاستفادة من المحيطات أيضا وكذلك من أرض روسيا، لكن، وكذلك يمكن الاستفادة من هذا الطريق، طريق الحرير القديم. لقد لعبنا دورنا في هذا المجال ونلعب وسنلعبه من الآن.

اريد ان أقول لكم عدة كلمات حول القوقاز، خاصة القوقاز الجنوبية. القوقاز الجنوبية، خاصة آذربيجان بوابة بين الشرق والغرب. في نفس الوقت، القوقاز الجنوبية منطقة بالغة التعقيد. تقع هنا الآن ٣ دول- جورجيا وآذربيجان وأرمينيا. مع الأسف، توجد في كلها نزاعات- اعتى النزاع هو النزاع الأرمني الآذربيجاني. لأن هذا نزاع قائم بين الدولتين. يوجد في جورجيا نزاع أبخازي ونزاع أوستي. في حالة إزالة هذه النزاعات ستتمكن القوقاز الجنوبية من التطور العارم بفضل امكانياتها الاستراتيجية من جهة واحتياطاتها الطبيعية من جهة أخرى. اولا، سيؤدي الى تصور العلاقات الاقتصادية بين بلدان القوقاز الجنوبية. ثانيا، قد يكون من الضروري الاستفادة من طريق الحرير وتطوير العلاقات الاقتصادية مع البلدان الأخرى. لكن هذا يتوقف من معالجة النزاع الأرمني الآذربيجاني. اذا وجد النزاع الأرمني الآذربيجاني حله فأعتقد ان تسوية النزاع الجورجي الابخازي وبعده النزاع الشيشاني في القوقاز الجنوبية قد تكون ممكنة أيضا.

أريد ان الفت الى نظركم ان أول نزاع بدأ في اراضي الاتحاد السوفييتي السابق، على الصعيد السوفييتي كان النزاع حول ناغورني كاراباخ الذي اندلع في سنة ١٩٨٨. وبعده نشب النزاع الأبخازي، النزاع الأوسيتي في جورجيا. وفي النهاية، بدأ النزاع الشيشاني، اما النزاع الشيشاني فإنه خلق وضعا بالغ التعقيد في القوقاز الشمالية.

يجب ان تتم تسوية النزاعات هنا من جهة، وتنجو القوقاز بأسرها، كذلك القوقاز الجنوبية من هذا الإرهاب والتطرف والانفصالية العدوانية. السيد سيستانوفيتش، تفضل. أنا آسف لأنك حضرت في ختام خطابي. لكن لا بأس به، ثم سيبلغونك. لأن هذه الأحداث، أي هذه العوامل- الارهاب الدولي، التطرف والانفصالية العدوانية من أخطر حالات في العالم حاليا. وتظهر في القوقاز الجنوبية، وفي القوقاز الشمالية، في الشيشان أيضا. وتبرز الآن في جنوب بلدان آسيا الوسطى- اوزبكستان، كيرغيزستان وطاجكستان وانها خطر كبير جدا.

اما آذربيجان فانها ضد الأصولية الاسلامية. لكن الأخطر منها هو الوهابية وهي جناح من اجنحة الأصولية الاسلامية. إن الوهابية يقودها الطالبان في افغانستان والارهابي الشهير أسامة بن لادن من جهة، وتمولها البلدان المتفرقة من جهة أخرى. منذ عدة سنوات ولا تستطيع دولة كبيرة كروسيا ان تحول دون الارهابيين في الشيشان. لأن تلك الحركة الوهابية اثارت تطرفا دينيا لدى الناس القاطنين فيها من خلال القنوات المختلفة. وادى هذا التطرف بالناس الى درجة الانتحار لتحقيق أفكارهم. وتعم الوهابية الآن إلى حد معين داغستان جارتنا أيضا. هذا يقلقنا كثيرا، وهي اقصى جنوب روسيا. ويقلقنا، لعلها تنتقل إلى بعض مناطق آذربيجان أيضا. إننا نكافح هذا. ونعلم ان الولايات المتحدة الأمريكية كافحت دائما ولا تزال الارهاب الدولي بشكل جدي. لكن أعتقد ان الحكومة الامريكية يجب ان تركز انتباهها على الاوضاع السائدة في منطقتنا. عامة، ما دام يبدأ تعزيز عملية الانتفاع باحتياطات حوض بحر قزوين بمشاركة شركات الترول العملاقة للعالم وغيرها من الشركات، وأنشأنا ٣ خطوط أنابيب النفط فتصوروا كم حقول توجد في القطاع الآذربيجاني. لكن بعضها مهدد بالخطر. كما تعلمون انه قاموا بدعاية شديدة ضدنا عندما بدأنا الاستفادة من احتياطات بحر قزوين في سنة ۱۹۹٤ . وهذه عبارة عن أن من المستحيل ان يتخذ أي عمل في بحر قزوين ما لم يتم تحديد الوضع القانوني لبحر قزوين. لقد عارضنا هذا وأجبنا على هذا. فكيف أجبنا؟

في سنة ۱۹۷۰ ، في عهد الاتحاد السوفييتي تم نقسيم بحر قزوين إلى قطاعات. كما تعلمون ان الجزء الإيراني من بحر قزوين تم تقسيمه حينذاك وفقا لهذا الخط. ليس لإيران حق لتخطى هذا الخط. لأن هذا الخط كان يعتبر حدودا إيرانية سوفييتية وفقا للوثيقة الموقعة بين إيران والاتحاد السوفييتي في سنة ۱۹۲۱ ، ثم في عام ۱۹٤۰. وكانت تحرس دائما هذه الحدود قوات حرس الحدود للاتحاد السوفييتي. كان صاحب الجزء الأعلى من هذا الخط هو الإتحاد السوفييتي، فيما مضى الامبراطورية الروسية. لكننا آذربيجان- كما قلت لكم- لما بدأنا استغلال حقول النفط الموجودة في بحر قزوين منذ سنة ۱٩٤٩، وبالطبع قررت الحكومة السوفييتية تقسيم بحر قزوين إلى قطاعات. انظر، هذا قطاع آذربيجاني، ذاك قطاع تركماني. وهذا الآخر قطاع كازاكستاني، أما هذا فهو قطاع روسي.

اننا اعتمدنا على هذه المبادئ. ليس ثمة مبدأ آخر ونقوم بعملنا طبقا لهذه المبادئ أيضا. لكن روسيا وتركمنستان وإيران عارضت في حينها على هذه المبادئ. اما نحن فكنا نقوم بعملنا، كنا نعلم انه لا يمكن التوصل إلى مبدأ آخر.

وبدأت كازكستان وروسيا وتركمنستان أيضا الأعمال في قطاعاتها بعد ان رأت اننا نقوم بأعمالنا. حتى وتم التوقيع على اتفاقية حول الخط الوسطي بين روسيا وكازكستان. وتحدد هذا الخط الوسطى. ان الخط الوسطي من الاهمية بمكان، وهو حدود بين القطاعات الخاصة بالدول المطلة على بحر قزوين، الواقعة في كلا الطرفين لبحر قزوين. لكن البعض يقولون الآن ان بحر قزوين يجب ان ينقسم إلى ٥ قطاعات متساوية وتملك كل ٥ دول مطلة على بحر قزوين قطاعات على السواء. وكيف يمكن هذا؟ تصوروا، في هذه الحالة يكون قطاع ايراني من بحر قزوين ٢٠ بالمائة. إذن ماذا يبقى لآذربيجان؟ اذن من اللازم ان تأخذ آذربيجان إما من القطاع الكازاكستاني، وإما من القطاع التركمانستاني. هذا ليس أمرا واقعا. لكن على كل حال يضعون المسألة هكذا.

ولم تكن روسيا تتخذ موقفا دقيقا بعض الشيء حتى الاوقات الأخيرة. لكن السيد بوتين الرئيس الروسي الجديد عين مبعوثا خاصا له في مسائل بحر قزوين خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة. ان فيكتور كاليوزني وزير الطاقة السابق تم تعيينه مبعوث الرئيس الروسي حول بحر قزوين. وزار جميع البلدان المطلة على بحر قزوين. كما سافر إلى آذربيجان. ان روسيا موافقة الآن تقسيم بحر قزوين إلى هذه القطاعات. لكنها لم تكن موافقة على هذا قبل هذا بسنتين. لكنها ما استطاعت ان تتفق مع إيران. وقلت انا لهم، اذهبوا واتفقوا مع إيران. لأن إيران وروسيا تتعاونان الآن بشكل مكثف جدا وبينهما صداقة وثيقة. يساعد الصديق صديقه.

قصارى القول، ان الأعمال التي نتخذها الآن في بحر قزوين ليست لأننا سنستخرج من هناك مزيدا من النفط والغاز. اكرر مرة أخرى، هذا يعني اننا فتحنا بحر قزوين أمام العالم. أما هذا النموذج الذي شكلناه يدشن امكانيات كبيرة للاستفادة من ثروات بحر قزوين استفادة عادلة من قبل الدول المطلة على بحر قزوين.

لقد دشن كل هذا مرحلة جديدة للاستفادة من طريق الحرير ولشراكة البلدان المطلة على بحر قزوين مع الشركات الأخرى العالمية في استغلال احتياطات بحر قزوين وتطوير العلاقات سواء الاقتصادية أو العلمية أو الثقافية بين أوربا وآسيا. تراودنا نحن الاذربيجانيين مشاعر الافتخار لاننا تقدمنا بمبادرات في انشاء هذا العمل واتخذنا خطوات جريئة وقدمنا وسوف نقدم نموذجا قد تحتزى به الدول الأخرى ايضا واريد ان اعرب مرة أخرى عن امتناني لهذا اللقاء معكم واعتبر غرفة التجارة الأمريكية الآذربيجانية منظمة ترعرعت وتقف على قدميها بثبات. وأعتقد أن جميع الشركات الأمريكية يجب ان تنضم إليها للنشاط الناجح القادم لهذه الغرفة، قبل كل شيء يجب ان تنضم إليها شركات البترول الكبيرة التى تعمل في آذربيجان.

ان تعيين السيد ماتسكي رئيسا مشاركا للغرفة في الوقت الحاضر يبعث فينا آمالا كبرى. لأن علاقاتنا مع السيد ماتسكي، مع "شفرون" كانت دائما جميلة جدا. إنه إنسان متقدم جدا. كما تملك شفرون حصصا كبيرة في آذربيجان، في بحر قزوين.

وأتمنى، أولا ان نتوصل إلى استخراج الحصيلة من حقل "آبشرون" في القريب العاجل. ثانيا، أتمنى أن تشركوا انتم والشركات البترولية الكبيرة الأخرى بشكل انشط في العمل القادم لغرفة التجارة الأمريكية الآذربيجانية، وان تقدموا كل مساعدات لها.

واشكركم لاصغائكم. وأتمنى لكم جميعا الصحة والنجاحات الجديدة.

لديَّ هدية تذكارية، وهذه تحفة يرسم فيها الفنان الآذربيجاني العبقري المشهد القديم من مدينة باكو واهدي هذا بإعتباري رئيس آذربيجان إلى غرفة التجارة الأمريكية الأذربيجانية.

مع السلامة.

معلومات تأريخية عامة

من المنابر العالية